الروح هي التي تجعل من الشيء موجود وهي التي تصنع الحياة و تدبها في الكائنات سواء كانت من البشر او غيرهم ، فمن ليست له روح يكون جمادا لا حركة فيه و يسري فيها السكون وتخلو من الشعور .
قد يفسر المرء و يعتقد بأن الكتاب و القلم هي من الجماد أي إنها بلا روح ، لكن ألا نعتقد بأننا نخطيء بحقهما بهذا الوصف؟ ألم نفكر أو يخطر في بالنا بأن تكون لهم روح أخرى ، روح من نوع أخر ؟
وقد يثير البعض التساؤل ما هذه الروح الأخرى الي تتكلم بها وما ذا تعني بذلك ؟ بلحظة تامل و تريث فقط ستفهم ما هذه الروح ، هذه الروح التي تجعل من القلم ناطقا و من الورق ناشرا ، هي التي تحول الكتب من مجرد أوراق تكسوها البياض إلى علم و معارف تحيي بها المجتمعات و تنير طريقها ، إنها روح الكتابة .
هذه الروح الرائعة ليست كروح تدب في الكائنات فتبث بها الحياة ، هي روح من نوع أخر , هبة من الخالق للبشرية لتدب فيهم ارواحهم بها ، هي التي حفظت للإنسان تأريخه حينما فقد من ذاكرته و هي التي دونت لكل شيء أسمه و وصفه و مرضه و شفائه .
أليست هي التي جعلت للتأريخ أسما و عصرا و جعلت ما قبلها ظلاما و مفقودا ، ألم تكن اعظم الثورات في التأريخ ثورة الكتابة ، بل وأنجبت لنا الثورات البشرية الأخرى كثورة الطباعة والصناعة و المعلومات من لدنها ، هي التي نقلت البشر من همج إلى مجتمعات ، هي التأريخ والحاضر والمستقبل .
بل هي أم العلم و لا علم بدونها يسمو ، و لا يمكن للذاكرة أن تحفظ شيئا قيل شفهيا دون وجود الكتابة ، فبلا ممارسة تفقد ، ولكن الكتابة دائما لا تفقد ولا تزول .
الكتابة شيء مقدس ، فالله جل جلاله يحلف بالقلم و ما يسطر به من كتابة ، بل و للقلم سورة بالقرأن الكريم ، و حتى إن أول ما نزل على خاتم الأنبياء و المرسلين رسول الإسلام محمد ص من وحي من الله كانت كلمة إقرأ .
الكتب السماوية و الأديان بحد ذاتها تقديس للكتابة فهي قائمة عليها ، فبالكتب حاور الله أنبيائه و أنزل الحجة و البرهان على الأقوام ، بل و حتى نظم شؤونهم و ثوابهم و عقابهم بها .
أثير بدوري هذا التساؤل هل أحسست يوما يا عزيزي القاريء و انت تقرأ كتابا أو صحيفة أو مجلة أو حتى ورقة مكتوب فيها مقال ، بل وحتى الأجهزة الحديثة ، إنك تنظر إلى جماد و تمسك به ؟ ألم تحس يوما بأن هذ الجماد الذي تسميه قد نقل روحك إلى عالم أخر ؟ ألم تفقد الإحساس بالوقت و أنت تعيش به ؟ ألم تر الأحداث والوقائع و يرسمها عقلك من خلال رسم الحروف ؟
بل ولو تلاحظ بأن الكتابة فوق كل تلك الأهمية هي زينة بحد ذاتها ، فحروف مخطوطة و مرتبة بشكل جميل تكون فنا لافتا للنظر و الإعجاب ، حتى إن دور العبادة تتزين بخططوها بما لها من جمالية .
إذا أليس من الإنصاف أن لا نعتبر الكتب جوامد بروحها الرائعة و نعطيها حقها و نعطيها حريتها بأن تكون روحها تعيش من خلالنا و تدب فينا المعرفة بأي لغة كانت ؟
فلولا الكتابة ما تحاورنا و لا أبدينا أرائنا و لا سجلنا إنتقاداتنا و لم أستطع أن أعبر مافي داخلي لكم وانتم تفهمون بدونها .
تساؤل أخير أطرحه و اجيبه بنفسي هل يمكن للإنسان أن يعيش بلا كتابة ؟ أراه مستحيلا فهي روحه الفكرية و لا يمكن التصور بشخص يعيش بلا روح فكرية بهذا العصر.
عزيزي القاريء كلمة أخيرة ، أكتب حتى ولو لم يخطر ببالك شيء ... أكتب و دع قلمك يفهم ما يفكر عقلك ... أكتب و دع لروحك مجالا لتتنفس به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق